فصل: {إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.{قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا}:

قرأ حمزة فصرهن إليك بكسر الصاد أي قطعهن وشققهن ومزقهن وفي الكلام تقديم وتأخير يكون معناه فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن فيكون إليك من صلة خذ.
وقرأ الباقون فصرهن بضم الصاد أي أملهن واجمعهن وقال الكسائي وجههن إليك قال والعرب تقول صر وجهك إلي أي أقبل علي واجعل وجهك إلي وكان أبو عمرو يقول ضمهن إليك ومن وجه قوله: {فصرهن إليك} إلى هذا التأويل كان في الكلام عنده متروك ويكون معناه فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم قطعهن ثم اجعل على كل جبل.
قرأ أبو بكر جزؤا بضم الزاي وقرأ الباقون بإسكان الزاي وهما لغتان معروفتان.

.{كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين}:

قرأ ابن عامر وعاصم بربوة بفتح الراء وهي لغة بني تميم وقرأ الباقون بربوة بضم الراء وهي لغة قريش.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أكلها بسكون الكاف وحجتهم أنهم استثقلوا الضمات في اسم واحد فأسكنوا الحرف الثاني.
وقرأ الباقون بضم الكاف على أصل الكلمة وقالوا لا ضرورة تدعو إلى إسكان حرف يستحق الرفع وحجتهم إجماعهم على قوله: {هذا نزلهم} وقد اجتمعت في كلمة ثلاث ضمات.

.{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}:

قرأ ابن كثير في راوية البزي ولا تيمموا الخبيث بتشديد التاء وكان الأصل تتيمموا فأدغم التاء بالتاء وقرأ الباقون بالتخفيف وحذفوا التاء الثانية.

.{إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم}:

قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر فنعما هي بكسر النون وسكون العين وحجتهم قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: نعما بالمال الصالح للرجل الصالح واصل الكلمة نعما بفتح النون وكسر وكسر العين فكسروا النون لكسرة العين ثم سكنوا العين هربا من الاستثقال.
وقرا حمزة وابن عامر والكسائي فنعما هي بفتح النون وكسر العين وحجتهم أن أصل الكلمة نعم فأتوا بالكلمة على أصلها وهي أحسن لأنه لا يكون فيها الجمع بين ساكنين.
وقرأ ورش وابن كثير وحفص فنعما بكسر النون والعين وقد بينا أن الأصل فيها نعم بفتح النون وكسر العين وتركوا العين على أصلها.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر ونكفر برفع الراء على الاستئناف يقول الله جل وعز ونحن نكفر وحجته قوله: {فهو خير لكم} لما كان جواب الجزاء في الفاء ولم يكن فعلا مجزوما لم يستجيزوا أن ينسقوا فعلا على غير جنسه ولو كان جزما لجزموا الفعل المنسوق على الجزاء إذا كان فعلا مثله وقرأ نافع وحمزة والكسائي.
ونكفر بالجزم على موضع فهو خير لكم لأن المعنى يكن خيرا واحتجوا بأن قالوا الجزم أولى ليخلص معنى الجزاء ويعلم بأن تكفير السيئات إنما هو ثواب للمتصدق على صدقته وجزاء له وإذا رفع الفعل احتمل أن يكون ثوابا وجزاء واحتمل أن يكون على غير مجازاة وكان الجزم أبين المعنيين.
وقرأ ابن عامر وحفص ويكفر بالياء والرفع على الاستئناف أيضا ويكون إخبارا عن الله عز وجل أنه يكفر السيئات.

.{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}:

قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة يحسبهم بفتح السين وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان حسب يحسب وحسب يحسب وقال قوم يحسب بكسر السين من حسب وقالوا وقد جاءت كلمات على فعل يفعل مثل حسب يحسب ونعم ينعم ويئس ييئس.

.{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}:

قرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم فإن لم تفعلوا فآذنوا مفتوحة الهمزة والذال مكسورة أي فاعلموهم وأخبروه بأنكم على حربهم تقول آذنت الرجل بكذا أي أعلمته.
وقرأ الباقون فأذنوا ساكنة الهمزة أي فاعلموا أنتم يقال أذن به يأذن إذنا إذا علم به.
قال أبو عبيد الاختيار القصر لأنه خطاب بالأمر والتحذير وإذا قال فآذنوا بالمد والكسر فكأن المخاطب خارج من التحذير مأمور بتحذير غيره وإعلامه.

.{وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}:

قرأ نافع إلى ميسرة بضم السين وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان مثل المشرقة والمشرقة.
قرأ عاصم وأن تصدقوا بتخفيف الصاد وقرأ الباقون بالتشديد.
الأصل تتصدقوا من خفف حذف التاء الثانية اكتفاء بعلامة الاستقبال منها ومن شدد أدغم التاء في الصاد لقرب المخرجين.

.{واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}:

قرأ أبو عمرو واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله بفتح التاء أي تصيرون نسب الفعل إليهم.
وحجته قوله: {وأنهم إليه راجعون} فأنسد الرجوع إليهم فكذلك قوله: {ترجعون}.
وقرأ الباقون ترجعون بضم التاء أي تردون وحجتهم قوله: {ثم إلى ربهم يحشرون} وإليه تقلبون.

.{فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إجدهما الأخرى}:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو من الشهداء أن تضل بفتح أن فتذكر بإسكان الذال وفتح الراء.
وقرأ حمزة إن تضل بكسر إن فتذكر بتشديد الكاف ورفع.
وقرأ الباقون أن تضل بفتح أن فتذكر بالتشديد ونصب الراء.
فمن فتح فلأن المعنى عند الفراء لئلا تضل إحداهما فتذكرها الأخرى.
وقال سيبويه إنما فتح أن لأنه أمر بالشهادة المعنى استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحدهما الأخرى من أجل أن تذكر فإن قال قائل كيف جاز أن تقول تضل ولم يعد هذا للإضلال فالجواب أنه إنما ذكر أن تضل لأنه سبب الإذكار كما يقول الرجل أعددت الخشب أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب إعداده ذلك لميلان الحائط ولكنه أخبر بالشيء الذي الدعم بسببه.
وأما حمزة فإنه جعل إن حرف شرط وتضل جزم بالشرط والأصل إن تضلل فلما أدغمت اللام في اللام فتحت لإلتقاء الساكنين كقوله من يرتد منكم عن دينه والفاء جواب الشرط وتذكر فعل مستقبل لأن ما بعد فاء الشرط يكون الفعل فيه مستأنفا كقوله ومن عاد فينتقم الله منه.
وحجة من قرأ فتذكر بالتخفيف حكاها الأصمعي عن أبي عمرو قال أبوعمرو إذا شهدت المرأة على شهادة ثم جاءت الأخرى فشهدت معها أذكرتها أي جعلتها ذكرا لأنهما تقومان يعني صارت المرأتان كذكر وكذا روي عن أبي عينية.
وحجة أخرى وهي أنك تقول أذكرت الناسي الشيء حتى ذكره وأذكرتك ما قد نسيت ولا تقول ذكرته وإنما تقول ذكرته في الموعظة قال الله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وقال وذكرهم بأيام الله.
وحجة التشديد أنهما لغتان وتأويله فجعل الله المرأتين بإزاء رجل لضعفما وضعف عقولهم ولمزية الرجال على النساء وفضل رأيهم إن لم يكن الشاهدان رجلين فرجل وامرأتان فمتى نسيت إحداهما ذكرتها الأخرى تقول تذكري يوم شهدنا في موضع كذا وكذا فجعل بدل رجل امرأتين.

.{إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها}:

قرأ عاصم إلا أن تكون تجارة بالنصب المعنى إلا أن تكون المداينة تجارة حاضرة والمعاملة تجارة حاضرة.
وقرأ الباقون بالرفع المعنى إلا أن تقع تجارة حاضرة كقوله قبلها وإن كان ذو عسرة أي وقع ذو عسرة.

.{وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو فرهن برفع الراء والهاء وحجتهما ما روي عن أبي عمرو أنه قال إنما قرئت فرهن ليفصل بين الرهان في الخيل وبين جمع رهن في غيرها تقول في الخيل راهنته رهانا والرهن جمع رهن وهو نادر كما تقول سقف وسقف وقال الفراء الرهن جمع الجمع رهن ورهان ثم رهن كما تقول ثمرة وثمار وثمر.
وقرأ الباقون فرهان وحجتهم أن هذا في العربية أقيس أن يجمع فعل على فعال مثل بحر وبحار وعبد وعباد ونعل ونعال وكلب وكلاب.

.{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}:

قرأ عاصم وابن عامر فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء برفع الراء والباء على الاستئناف.
وحجتهم أن قوله: {إن تبدوا} شرط يحاسبكم جزم لأنه جواب وقد تم الكلام فيرفع فيغفر ويعذب على تقدير ضمير فهو يغفر ويعذب.
وقرأ الباقون بالجزم فيهما عطف على يحاسبكم به الله.

.{كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله}:

قرأ حمزة والكسائي وكتابه وحجتهما أن الكتاب هو القرآن فلا وجه لجمعه وحجة أخرى قال ابن عباس الكتاب أكثر من الكتب قال أبوعبيدة أراد كل كتاب الله بدلالة قوله: {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب} فوحد إرادة الجنس وهذا كما تقول كثر الدرهم في أيدي الناس تريد الجنس كله.
وقرأ الباقون وكتبه وحجتهم ما تقدم وما تأخر ما تقدم ذكر بلفظ الجمع وهو قوله: {كل آمن بالله وملائكته} وما تأخر ورسله فكذلك كتبه على الجمع ليأتلف الكلام على نظام واحد. اهـ.

.أسئلة وأجوبة في السورة الكريمة:

.قال الخطيب الإسكافي:

سورة البقرة:

.الآية الأولى:

فأول آية ابتدأت بها قوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة: 35].
وقال في سورة الأعراف [19]: {ويا آدم اسكن أنت وزجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة}.
فعطف {كلا} على {اسكن} بالفاء في هذه السورة وعطفها عليه في سورة البقرة بالواو.
والأصل في ذلك أن كل فعل عطف عليه ما يتعلق به تعلق الجواب بالإبتداء، وكان الأول مع الثاني بمعنى الشرط والجزاء، فالأصل فيه عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو كقوله تعالى: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا} [البقرة: 58] فعطف كلوا على ادخلوا بالفاء لما كان وجود الأكل منها متعلقا بدخولها، فكأنه قال: إن دخلتموها أكلتم منها، فالدخول موصل إلى الأكل، والأكل متعلق وجوده بوجوده. يبين ذلك قوله تعالى في مثل هذه من سورة الأعراف: {وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة} [الأعراف: 161] فعطف {كلوا} على قوله: {اسكنوا} بالواو دون الفاء، لأن اسكنوا من السكنى، وهي المقام مع طول لبث. والأكل لا يختص وجوده بوجوده، لأن من يدخل بستانا قد يأكل منه وإن كان مجتازا، فلما لم يتعلق الثاني بالأول تعلق الجواب بالابتداء وجب العطف بالواو دون الفاء، وعلى هذا قوله تعالى في الآية التي بدأت بذكرها: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما}.
وبقي أن نبين المراد بالفاء في قوله تعالى: {فكلا من حيث شئتما} من سورة الأعراف [19] مع عطفه على قوله: {اسكن} وهو أن اسكن يقال لمن دخل مكانا، فيراد به: الزم المكان الذي دخلته ولا تنتقل منه، ويقال أيضا لمن لم يدخله اسكن هذا المكان، عني ادخله واسكنه، كما تقول لمن تعرض عليه دارا ينزلها سكنى فتقول: اسكن هذه الدار فاصنع فيها ما شئت من الصناعات، معناه: ادخلها ساكنا لها فافعل فيها كذا وكذا، فعلى هذا الوجه قوله تعالى في سورة الأعراف: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا} بالفاء. فالحمل على هذا المعنى في هذه الآية أولى، عز من قائل وجل قال لإبليس: {اخرج منها مذءوما مدحورا} [الأعراف 18] فكأنه قال لآدم: اسكن أنت وزوجك الجنة، أي: ادخل، فيقال: اسكن، يعني ادخل ساكنا، ليوافق الدخول الخروج، ويكون أحد الخطابين لهما قبل الدخول، والآخر بعده، مبالغة في الإعذار، وتأكيد للإنذار وتحققا لمعنى قوله عز وجل: {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة: 35].

.الآية الثانية:

قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون} [البقرة: 48].
وقال في هذه السورة بعد العشرين والمائة: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون} [البقرة: 123].
فقدم في الأولى قبول الشفاعة على أخذ الفدية، وفي الثانية قبول الفدية على نفع الشفاعة.
والوجه في الأول أنه لما قال: {لا تجزي نفس عن نفس شيئا} بمعنى: لا يغني أحد عن أحد فيما يلزمه من العقاب، ولا يكفر سيئاته ما له من الثواب، وهو كقوله عز من قائل: {واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا} [لقمان: 33] فهذه الأشياء التي ذكر في هذه الآية امتناع وقوعها في الآخرة أربعة أنواع تتقى بها المكاره وتتداوى بها الشدائد، ألا ترى العرب إذا دفع أحدهم إلى كريهة وارتهنت نفسه بعظيمة وحاولت أعزته دفاعا ذلك عنه وتخليصه منه بدأت بما في نفوسها الأبية من مقتضى الحمية، فذبت عنه كما يذب الوالد عن والده بغاية قوته وجلده، فإن رأى من لا قبل له بممانعته ولا يدله بمدافعته عاد بوجوه الضراعة وصنوف المسألة والشفاعة فحاول بالملاينة ما قصر عنه بالمخاشنة، فإن لم تغن عنه الحالتان ولم تنجه الخلتان من الخشونة واللين لم يبق بعدهما إلا فداء الشيء بمثله، وفكه من الأسر إما بمال وإما بغيره.
فإن لم تغن عنه هذه الثلاثة في العاجلة تعل بما يرجوه من نصر في الآجلة، وإدالة في الخاتمة، كما قال تعالى: {ثم بغي عليه لينصرنه الله} [الحج: 60] وقال تعالى: {فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} [الإسراء: 33] على أحد وجوه التفسير، فأخبر الله تعالى أن ما يغني في هذه الدنيا عن المجرمين، ويترتب هذه المراتب بين العالمين، لا يغني منه شيء في الآخرة عن الظالمين.
والفائدة في قوله تعالى في الآية الثانية وتقديم الفدية على نفع الشفاعة هي: أنه لما قال: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} ومعناه ما ذكرنا، عقبه بنفي الفداء، لأن النفس بفداء مؤقت يرتهن عنها مدة معلومة، ولا يكون بعد ذلك فداء يفك الرهن ويخلصه من التبعات، فيكون معنى {لا تجزي نفس عن نفس شيئا} لا تغني عنها بفداء محصور بوقت، ولا بفداء ويخلصه على وجه الدهر، ويكون بعد ذلك {لا تنفعها شفاعة} معناه: ولا تخفف مسألة من عذابها، ولا ينقص شفيع من عقابها، {ولا هم ينصرون} وهو الوجه الرابع الذي ذكرناه أخيرا في شرح الآية المتقدمة.